تعدّدت العقليات .. والوسائل واحدة!

لطالما تفنّن بنو البشر في إيجاد الحجج والذرائع لتبرير "الكسل"، نعم الكسل .. طبعاً، وتبرير العديد من الخصال السلبية الأخرى، إلا أنني هنا لا أريد تسليط الضوء إلا على هذا العدوّ اللّدود الذي يسكننا دونما أن نحاول ولو مجرد محاولة القضاء عليه، أو حتى أضعف الإيمان، مقاومته (وهذا الكلام منّي وجرّ).

كانت الأجيال السابقة تعاني بكل ما للكلمة من معنى من عدم القدرة على الوصول إلى جميع المعلومات التي تحتاجها في أيّ مجال كان، بل والأكثر صعوبة هو الوصول إليها بزمن قصير، حيث كان الكثيرون يقضون أياماً وليالٍ وفي الكثير من الأحيان شهوراً في البحث والقراءة في المراجع والكتب الضخمة والمختلفة للوصول إلى فكرة يمكن تلخيصها في عدة أسطر.

اليوم، وبعد أن شهدت الأجيال الحديثة طيفاً واسع الألوان من التطورات التقنيّة، وأصبحت الشبكة العنكبوتية جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة، كما الطعام والشراب والعمل والنوم، لم يلبث ذاك العنكبوت الشرير أن خرج وبدأ يلفّنا بخيوطه ليلاً نهاراً حتى حصلنا، والحمدلله على كل حال، على إقامة دائمة في شباكه. لا أقصد بقولي هذا أن الإنترنت هو إضافة سيئة لهذا العالم، ولكن يا أصدقائي، استخدامنا لهذه الإضافة جعل منها "إضاقة"، فقد أصبحت آفاقنا ضيقة لا تتعدى وسائل التواصل الاجتماعي و"التشات" والتسلية فقط، مع أننا إذا توغّلنا في هذا العالم الرقمي لوجدنا فيه ما لا يخطر ببالنا حتّى!

تخيّل أن تصادف أحد الشخصيات من القرون الماضية مثلاً وتخبره أنّك اليوم، وبعدد محدود من الضغطات على لوحة المفاتيح، يمكنك الوصول إلى ما أفنى عمره كاملاً للوصول إليه من معلومات وأفكار ومراجع وعلوم، هل ستلومه إن أصيب لحظتها بالإغماء؟
تخيّل أنك اليوم، وبفضل التكنولوجيا الحديثة، يمكنك أن تطلع على ما تريد بحياتك الواحدة فقط!

يؤلمني كثيراً، أن أرى شباباً وشاباتٍ ذوي إمكانيّات مميزة، يُتلفون أعمارهم بأشياء لا تساوي قيمتها حُفنةً من قيمة عقولهم!
لم يخبرني أحدٌ عندما كنت في أوائل العشرينات بكل ما أعرفه الآن، ولو عرفته حينها لكنت اليوم في مكانٍ آخر تماماً، لأنني وبكل بساطة لم أكن لأضيع أجمل سنين حياتي وأنا أظنّ أن الحال ميؤوسٌ منه وأنني لن أتمكّن من تطوير مهارات مميزة وصقل ذاتي ليصبح يوماً النجاح حليفي، وأترك خلفي أثراً جميلاً قبل أن أفارق هذا العالم.
لا أكتب هذه الكلمات إلا لأنني أدرك الحاجة إليها بعد أن فقدتها في عمر مبكّر، ولأنني أدرك أنّ معرفتي بها ما هي إلا مسؤولية أنا مؤتمنة على إيصالها لكلّ من أستطيع، وهي أمانة أحمّلها لكل من يقرأ هذه الكلمات ويعي أهمّيتها تماماً!

الموضوع بكل بساطة، أنه لديكم فرصة ذهبية للنهوض، النهوض الذي لا يعني الوقوف فحسب، بل أن ننتشل أنفسنا من القوقعة التي تحجبنا عن العالم من حولنا. العالم يا أصدقائي أكبر وأوسع بكثير مما نتصور، وعمرنا القصير هذا لن يكفينا لنجوب العالم ونكتشفه بأنفسنا، ولم نخلق أساساً لهذا الغرض، خُلقنا وكلّ منا في بلد ومكان ومن حضاراتٍ وثقافاتٍ مختلفة لنكوّن كتلةً متكاملة، لنتشاطر العلم والمعارف والأفكار، وإطلاعنا على ثقافاتٍ أخرى وأفكار من أماكن غير التي نعيش فيها لا يعني بالضرورة فشلنا، وإنما هي حاجةٌ علينا أن نسدّها ونلبّيها تماماً كما باقي الاحتياجات الأخرى في حياتنا.

الوسائل واحدة، في الوطن العربي وفي الغرب وحتى في قطبي الكرة الأرضيّة، ولكن عقليّاتنا نحن وأساليبنا في استخدام وتسخير هذه الوسائل لنهضتنا وتقدّمنا نحو الأفضل هي الأمر الذي يجعلنا مختلفين، فليس الغرب جميعهم ذوي عقول حضاريّة نيّرة، ولا العرب كلّهم ذوي عقول متحجّرة منغلقة، كُلّ ما في الأمر، أن الوسائل متاحةٌ للجميع، ولنا دوماً حريّة الاختيار في أن نكون .. أصحاب تقصير أم أصحاب تأثير!

#غاليلوو 💗


Comments

  1. كلام مهم ومن الضروري أن نسمعه لمن حولنا. سأقوم بنقل الرسالة. بالتوفيق غالية :)

    ReplyDelete

Post a Comment